الحاجات النفسية للأطفال وأهمية تلبيتها وآثار تجاهلها

الحاجات النفسية للأطفال لا تقل في أهميتها عن حاجتهم إلى الغذاء والرعاية الصحية الجسدية وبالتالي، إذا ما قام القائمون على تنشئة الأطفال بتلبية هذه الحاجات وأخذوها في الاعتبار خلال تعاملهم مع الأطفال، فإن العملية التربوية والتنشئة ستسير على النحو الصحيح والمسار الناجح، وستتحقق الصحة النفسية للأطفال.

الحاجات النفسية للأطفال
الصورة تعبر عن إحدى الحاجات النفسية للأطفال - اللعب

 الحاجات النفسية للأ طفال  

❶ الحاجة إلى المحبة والعطف

تتضح أهمية هذه الحاجة في الجوانب التالية

العطف والحب للطفل

في أعماق كل طفل، تكمن حاجة ماسة للشعور بالحب والعطف من الآخرين، فهو يستمد غذاءه النفسي من هذا الحب الذي يتلقاه من والديه وأقاربه، مثلما يتغذى جسديًا من الطعام الذي يعزز نموه ويمنحه دفء الحياة.

وحتى في حالة اللجوء إلى الرضاعة الصناعية، يُنصح بأن تحتضن الأم طفلها وتقربه من صدرها كما لو كانت ترضعه طبيعيًا، ففي هذا الجو المفعم بالعطف والحنان، ينمو الطفل بصحة جيدة.

تأثير حرمان الطفل من العطف

إذا حُرم الطفل من العطف والمحبة، فإنه ينشأ بشكل غير سوي، مما قد يؤثر سلبًا على صحته النفسية والعقلية والأخلاقية. ومن هنا، قد تكون البدايات المبكرة للشذوذ والانحراف والإجرام نتيجة لفقدان الطفل للعطف من المحيطين به.

أهمية تبادل العطف والحب

الطفل الذي يحتاج إلى الحب ويتلقى العطف من الآخرين، يحتاج أيضًا إلى أن يحب الآخرين ويعطف عليهم. فعلى سبيل المثال، الدمية الصغيرة التي تحملها الفتاة الصغيرة قد تؤدي دورًا في هذا السياق، حيث تنمو الفتاة نفسيًا من خلال عطفها على لعبتها، وتعاملها كما لو كانت طفلها الخاص، وتتخذ منها مثالًا للأمومة.

ما ذكرناه عن دور الأب والأم والأقارب ينطبق أيضًا على دور المربي تجاه تلاميذه والمعلم تجاه طلابه، فهم يتحملون مسؤولية توفير العطف والمحبة التي تساعد في نمو الطفل بشكل سليم ومتوازن. 

❷ الحاجة إلى الحرية

الحاحة الى الحرية من أهم الحاجات النفسية للطفل لأن الطفل كائنًا فريدًا من نوعه، يتطلع دومًا للانخراط في عالم البالغين، وهو في حالة نمو مستمر. ومن هنا، يتضح أن النمو لا يتأتى إلا من خلال الحركة والنشاط اللذين ينبعثان من داخل الطفل نفسه.

لذلك لا يمكن تحقيق النمو بدون حرية. فعلى سبيل المثال، إذا وُضع الطفل في غرفة مليئة بالألعاب وسُمح له باللعب كما يشاء، ثم أُغلقت الغرفة فجأة، سيشعر بالضيق ويتوق إلى الخروج من هذا القفص الذهبي.

بفضل الحرية، وما يرتبط بها من نشاط وحيوية وحركة، يكتسب الطفل الخبرات الضرورية لنموه الجسدي والعقلي والأخلاقي والاجتماعي والعلمي ، ولكن لا يجب أن تكون الحرية مطلقة؛ لأن الحرية المطلقة تؤدي إلى الفوضى.

❸ الحاجة إلى المغامرة والمخاطرة

تتجلى حاجة الأطفال إلى المغامرة والمخاطرة في سلوكهم المليء بالنشاط، حيث يختبرون قدراتهم الجديدة ويسعون لتحصيل المزيد من الطاقات والتغلب على الصعوبات.

يجب أن نوفر بيئة تحفز الأطفال على المغامرة والمخاطرة بحكمة، مما يعزز العزائم والثقة بالنفس وينمي الطاقات التي لا يمكن اكتسابها في جو من الخمول والركود.

يعتبر الإشراف الحكيم واليقظة جزءًا لا يتجزأ من تلبية هذه الحاجة بشكل منهجي، مما يضمن توفير الأمان مع الحفاظ على حرية الأطفال في المغامرة والاستكشاف.

❹ الحاجة إلى النجاح والتشجيع

تتشابك الحاجات النفسية للأطفال وتتداخل، فحاجتهم إلى النجاح ترتبط ارتباطًا وثيقًا بحاجتهم إلى الأمن والمخاطرة والتقدير. ومع ذلك، تظل حاجة الطفل إلى النجاح متميزة وذات أهمية بالغة؛ إذ إن المحاولات الأولى للطفل في أي مجال، إن أثمرت نجاحًا، فإنها تُشعره بثقة عميقة في نفسه، وتحفزه على تكرار المحاولة وتحسينها والانتقال منها إلى مهام أخرى.

لذا، يجب أن نوفر للطفل ظروفًا تُمكنه من النجاح بفضل جهده الذي يبذله، وأن نضعه في بيئة تُحفزه وتتحداه دون أن تُعجزه؛ فالإخفاق المتكرر ومواقف الإحباط تُفقده الثقة بنفسه وتُورثه الخمول والكسل. كما أن المواقف السهلة للغاية لا تُغريه بالعمل ولا تُحفزه على بذل الجهد ولا تُثير اهتمامه، مما يُعيق تحصيله للخبرات وتنمية قدراته.

المربي الحكيم لا يُقارن إنتاج الطفل بإنتاج الكبار، بل يُقدر العمل بناءً على الإمكانات الصغيرة والمحدودة للطفل؛ ويكتفي بأن يرى الطفل قد بذل جهده وأفرغ طاقته. ولا شك أن التشجيع في هذه الحالة يأتي في مكانه المناسب ويؤدي دوره التربوي على أكمل وجه.

❺ الحاجة إلى الأمن والطمأنينة

على الرغم من حب الأطفال للمغامرة والمخاطرة، إلا أنهم يعون ضعفهم ويحتاجون للحماية والرعاية من الأكبر سنًا والأقوى قدرة. فعندما يواجه الصغير ما يخيفه أو يهدده، يلجأ إلى حضن أمه وكنف أبيه أو من يعوله.

ومن الأهمية بمكان أن يشعر الأطفال بأن الكبار هم ملجأهم الآمن عند الخطر. ومع ذلك، يجب علينا أن نفهم أسباب خوف الصغار، فقد يكون الخوف نابعًا من الجهل أو عدم الخبرة، أو ربما يكون بداية لعقدة نفسية.

❻الحاجة إلى التكريم والتقدير

لا يقبل الإنسان أبدًا أن يكون موضع ازدراء أو احتقار من الآخرين، والطفل الناشئ، رغم ضعفه وقصوره مقارنةً بالآخرين، ليس بمنأى عن الشعور بكرامته والحرص على تقدير ذاته. فهو يدرك أنه طفل، لكنه في أعماق نفسه لا يرضى بالهوان، ومع نموه وترعرعه، يزداد هذا الشعور بالكرامة لديه. لأن الإنسان مكرم بفطرته، كما أعلن الله في محكم تنزيله: "ولقد كرمنا بني آدم" (الإسراء: 70).

ومن هنا، يجب على المربين أن يحترموا هذا الشعور لدى الطفل ويوجهوه نحو السلوك القويم، وأن يحافظوا على كرامة من يربون. فالشعور بالكرامة له دور نفسي وتربوي عظيم، إذ أن الإنسان الذي تُحترم كرامته يبتعد عن الأعمال القبيحة والأخلاق الرديئة.

❼ الحاجة الى اللعب

اللعب لدى الأطفال ليس مجرد وسيلة لملء أوقات الفراغ، بل هو عملية تعليمية حيوية تسهم في تشكيل شخصيتهم وتطوير قدراتهم العقلية والجسدية. حيث يتعلم الطفل من خلال اللعب التفاعل مع العالم المحيط به ويكتسب مهارات حياتية تساعده على التكيف مع مختلف الظروف.لذا يعد اللعب من الحاجات النفسية للأطفال الواجب تحقيقها .

فعلى سبيل المثال، عندما يشارك الطفل في لعبة جماعية، يتعلم القيم الأساسية كالعمل الجماعي والتعاون والتناوب، ويتعلم أيضًا التعامل مع الفوز والخسارة.

من ناحية أخرى، تحفز الألعاب التي تتطلب التخطيط والاستراتيجية، مثل الشطرنج، الطفل على التفكير النقدي وحل المشكلات.

كما يسمح اللعب الخيالي، مثل التظاهر بأنهم أطباء أو معلمين، للأطفال بتجربة أدوار مختلفة ويعزز قدراتهم على التعاطف والتفهم. وفي المقابل، يساعد اللعب البدني، مثل الجري والقفز، في تطوير القوة الجسدية والتنسيق العضلي، وهو أمر ضروري للنمو الصحي.

وأخيرًا، تعزز الألعاب التي تتطلب الدقة والتركيز، مثل الرسم والتلوين، المهارات الحركية الدقيقة والإبداع. لذلك يجب على الآباء والمربين تشجيع الأطفال على اللعب الحر والموجه لتحقيق أقصى استفادة من هذه التجربة الغنية.

❽ الحاجة الى سلطة ضابطة وموجهة

الطفل بحاجة إلى من يرشده ويوجهه. ولا عجب في ذلك؛ فالطفل، رغم ما قد يظهره من تمرد وعناد ورفض للخضوع للغير، يشعر في أعماق نفسه بأن الكبار يمتلكون معرفة بالأمور لا يمتلكها هو، ويدركون ما ينفع وما يضر، وما هو صائب وما هو خاطئ. كما يشعر بحرص والديه وأقاربه على مصلحته وسعيهم لتحقيق الخير له.

لذلك يجد الطفل الأنس في رأيهم ويتطلع إلى أن يرشدوه إلى ما ينفعه وينبهوه إلى ما يضره. وقد يُفسر تردد الأطفال أحيانًا في اللعب والمغامرة والمخاطرة بغياب من يرعاهم ويحول دون تجاوزهم للحدود إلى مناطق الخطر والضرر.

ومع ذلك، قد لا يُعبر الطفل عن شعوره بهذه الحاجة للآخرين؛ لأنه يعلم أن الكبار قد يحرمونه من الكثير مما يحب ويشتهي من الأنشطة والمخاطرة.

نحن الكبار، قد نُبالغ أحيانًا في الأمر والنهي والتحكم في تصرفات الطفل، مما قد يؤدي إلى زيادة تمرده وإعراضه عن الاستفادة من التوجيه، وكأننا نُفرط في استخدام سلطتنا حتى نستنفد رصيدنا كله.

لذلك تقتضي الحكمة أن نُظهر للطفل حبنا وحرصنا عليه ، وأن نترك له مساحة للنشاط، وحينما يقترب من تجاوز حدوده، نُنبهه ونُوجهه ونُحدد له الحدود بلطف وحكمة.

آثار تجاهل الحاجات النفسية للأطفال

إذا تم تجاهل الحاجات النفسية للأطفال ، فسوف تتأثر أحوال الناشئين سلبًا وتتخلخل العملية التربوية بقدر ما يحدث من إخلال وتجاهل.

وبالتالي يفقد الناشئون الصحة النفسية التي لا تقل أهمية عن الصحة الجسدية، بل هي مرتبطة بها ارتباطًا وثيقً ، ويمكن أن ينتج من هذا التجاهل آثار سلبية طويلة الأمد على نموهم العقلي والجسدي منها ما يلي : 

  1. انخفاض الثقة بالنفس الناتجة عن عدم الشعور بالقيمة والأهمية
  2. قد تظهر لديهم سلوكيات تحد أو انسحاب كوسيلة للتعامل مع المشاعر السلبية.
  3. انخفاض القدرة على التركيز والتعلم بسبب الإجهاد النفسي
  4. الصعوبة في بناء العلاقات والحفاظ عليها.
  5. ظهور مشاكل صحية عقلية مثل القلق والاكتئاب.
من المهم جدًا الاعتراف بأهمية الحاجات النفسية للأطفال والعمل على تلبيتها لضمان نموهم الصحي المتوازن.

الخــاتـمــة

نظرا لما تحمله مرحلة الطفولة من حاجات متشابكة وضرورية، ينبغي علينا أن نراعيها بعناية ونفي بها دون إفراط ولا تفريط، فمن الضروري أن نجد التوازن الصحيح في توفير الحاجات النفسية للطفل بما يمكن الطفل من النمو في بيئة محفزة وآمنة، وأن نعلمه كيفية التعامل مع التحديات والفشل بشكل بناء.

يجب علينا أن نكون قدوة لهم في الصبر والمثابرة، وأن نُظهر لهم كيف يمكن تحويل العقبات إلى فرص للتعلم والتطور. لذا يتطلب الأمر منا كمربين حكمة ورؤية لتنمية جيل قادر على مواجهة المستقبل بثقة واقتدار.
صحتك 360
صحتك 360
تعليقات