وهي جزء لا يتجزأ من الصحة والرفاه اللذين يدعمان قدراتنا الفردية والجماعية على اتخاذ القرارات وإقامة العلاقات وتشكيل العالم الذي نعيش فيه. والصحة النفسية هي حق أساسي من حقوق الإنسان. وهي حاسمة الأهمية للتنمية الشخصية والمجتمعية والاجتماعية الاقتصادية.
أسس الصحة النفسية
للصحة النفسية أسس لا تتحقق إلا بتوفرها في الفرد تتمثل هذه الأسس في تحقيق الذات والتوافق إليكم شرحا مفصلا لهذه الأسس:-① تحقيق الذات
مما لا ريب فيه أن الهدف الرئيسي من التعامل مع الأفراد هو مساعدتهم في تحقيق ذواتهم لتحقيق الصحة النفسية ، ويتم ذلك من خلال توجيههم وإرشادهم بشكل يتناسب مع حالاتهم المختلفة، سواء كانوا يواجهون تحديات خاصة أو يعيشون حياة عادية.
يتم التركيز في هذا العمل على تمكينهم من تحقيق مستوى من الذاتية يجعلهم يشعرون بالرضا عن أنفسهم ويكتسبون وعيًا سليمًا بذواتهم، بهدف تطوير قدراتهم الشخصية والإبداعية للوصول إلى أقصى حد من إمكانياتهم الفردية.
② تحقيق التوافق
تحقيق التوافق يعني التعامل مع السلوك والبيئة الطبيعية والاجتماعية بالتغيير والتعديل لإحداث توازن بين الفرد وبيئته، وهذا يشمل إشباع حاجات الفرد ومواجهة متطلباته البيئي
يتضمن التوافق القدرة على التكيف مع البيئة المحيطة والتفاعل الإيجابي مع الآخرين، مما يُساهم في تحقيق التوازن النفسي والاجتماعي وبالتالي تحقيق الصحة النفسية ومن اهم مجالات تحقيق التوافق ما يلي :-
◾ تحقيق التوافق الشخصي
التوفق الشخصي هو أساس للشعور بالسعادة والرضا عن الذات، حيث يتضمن إشباع الحاجات والدوافع الداخلية، سواء كانت فطرية أو عضوية أو فيزيولوجية، بالإضافة إلى الحاجات النفسية الثانوية المكتسبة.
◾ تحقيق التوافق الاجتماعي
تحقيق التوافق الاجتماعي يشمل الشعور بالسعادة مع الآخرين والالتزام بأخلاقيات ومعايير المجتمع. ويُعد التوافق الأسري والزواجي جزءًا لا يتجزأ من هذا التوافق، خاصةً للأشخاص الذين يتولون مسؤولية الأسرة
◾ تحقيق التوافق التربوي
يُعزز التوافق التربوي من خلال مساعدة الفرد على اختيار المناهج العلمية الأنسب التي تتناسب مع قدراته وميوله واستعداداته، وذلك ببذل أقصى جهد ممكن لتحقيق النجاح الدراسي.
◾ تحقيق التوافق المهني
يُعتبر تحقيق التوافق المهني عملية تشمل اختيار التخصص الدراسي والمهنة المناسبين للفرد، وذلك بناءً على استعداداته العلمية والتدريبية، مما يؤدي إلى الإنجاز والكفاءة والشعور بالرضا والنجاح
![]() |
المحور العمودي (Y) يمثل مستوى الصحة النفسية (منخفضة إلى عالية). المحور الأفقي (X) يمثل كمية أو درجة الصحة النفسية (من السلبية إلى الإيجابية). |
نسبية الصحة النفسية
الصحة النفسية هي مفهوم نسبي، ولا يوجد فيها مطلق أو كلي. فهي تتخذ شكل متصل يمتد بين طرفين: طرف يمثل الصحة بأقصى درجاتها، وطرف آخر يمثل المرض.
يتوزع الناس على هذا المتصل بشكل يشبه التوزيع الاعتدالي، حيث لا يتشابه الأصحاء في درجة السواء، فكل شخص يحمل نصيبه من الصحة النفسية مثل الثقة بالنفس، والإيجابية، والقدرة على التكيف، وليس هناك شخص يخلو من الصراع والقلق والاحباط وما يترتب عليها من مشاعر سلبيه.
بالمثل لا يتساوى المضطربون في درجة اضطرابهم، فقد يبدأ الأمر بأعراض بسيطة كالغضب والعدوانية، وقد يتطور إلى الذهان الذي يفقد معه الشخص الاستبصار بالواقع. ومن هنا، يتضح أنه لا يمكن تقسيم الناس إلى فئتين محددتين من الصحة والمرض، بل يتوزعون على مدى متدرج، بعضهم أقرب إلى الصحة وبعضهم أقرب إلى المرض، وآخرون يقعون في منطقة وسطية.
أبعاد نسبية الصحة النفسية
أبعاد نسبية الصحة النفسية تعني أن تقييم الصحة النفسية ليس مطلقًا، وإنما يعتمد على هذه الأبعاد، ويجب أن نأخذ في الاعتبار أن الصحة النفسية يمكن أن تختلف من شخص لآخر ومن ثقافة إلى أخرى
الصحة النفسية ليست ثابتة أو مطلقة، بل هي عملية ديناميكية تتطور وتتغير مع الفرد طوال حياته. وتتأثر بالتحديات والإنجازات التي يواجها في كل مرحلة من مراحل نموه. ولكل مرحلة خصائصها ومتطلباتها والأنشطة التي تتوافق مع هذه الخصائص في هذه المرحلة.
على سبيل المثال، إذا كان الطفل يرضع ثدي الأم حتى سن الثانية، فقد يُعتبر ذلك سلوكًا طبيعيًا، ولكن هذا السلوك يصبح غير طبيعي إذا استمر في سن الرابعة. بالمثل، مص الأصابع يعتبر سلوكًا شائعًا في الأشهر الأولى، ولكنه يصبح مشكلة سلوكية إذا استمر في سن السادسة.
مفهوم نسبية الصحة النفسية يعتمد على فكرة أن تقييم حالة الفرد النفسية قد يختلف بناءً على عوامل مختلفة، بما في ذلك الزمان والمكان. فما قد يُعتبر صحيًا أو طبيعيًا في سياق زمني أو ثقافي معين، قد لا يكون كذلك في سياق آخر. مع تغير الزمان، تتطور معايير الصحة النفسية؛ فما كان يعتبر سلوكًا غير صحي في الماضي، قد يصنف اليوم ضمن السلوكيات الطبيعية، نتيجة للتطورات في العلوم النفسية والوعي الاجتماعي.
أما بالنسبة للمكان، فإن البيئة الثقافية والاجتماعية تؤثر بشكل كبير على تصوراتنا للصحة النفسية. ما يُعتبر مقبولًا في ثقافة معينة، قد يُعتبر مشكلة في ثقافة أخرى. وبالتالي، يتم تشكيل تقييماتنا للصحة النفسية بناءً على السياق الذي نعيش فيه. ومثال على ذلك الحجاب في الثقافة الإسلامية يعتبر فضيلة، بينما في الثقافة الغربية لا يعتبر كذلك.
تختلف الصحة النفسية من شخص لآخر بناءً على عوامل متعددة كالخلفية الثقافية، والتجارب الشخصية، والبيئة الاجتماعية، والجينات. هذه العوامل تؤثر على استجابات الأفراد للضغوط النفسية وطرق تعاملهم معها.
فالخلفية الثقافية، على سبيل المثال، تحدد ما يُعتبر سلوكًا صحيًا وتؤثر على استقبال الأفراد للعلاجات النفسية ورغبتهم في طلب المساعدة. وتلعب التجارب الشخصية دورًا في تشكيل الصحة النفسية، حيث يمكن للصدمات أو الإنجازات أن تؤدي إلى استجابات نفسية متباينة.
كما أن الدعم الاجتماعي وجودة العلاقات يمكن أن يكون لهما تأثير كبير على الصحة النفسية، فالأشخاص في بيئات داعمة يجدون التعامل مع التحديات النفسية أسهل. وأخيرًا، تؤثر العوامل البيولوجية مثل الجينات والتوازن الكيميائي في الدماغ على الصحة النفسية، وقد تجعل بعض الأشخاص أكثر عرضة لحالات نفسية معينة.
فوائد الصحة النفسية
تعد الصحة النفسية جزءًا أساسيًا من الصحة العامة، لأنها تتعلق بطريقة تفكيرنا وشعورنا وسلوكنا. ويُعتبر الحفاظ على الصحة النفسية أمرًا بالغ الأهمية لما لها من فوائد منها :-
❶ تساعد على تعزيز الرفاهية العامة
الصحة النفسية الجيدة تُعتبر ركيزة أساسية لتعزيز الرفاهية العامة، وهي تُشير إلى أن الاستقرار النفسي والتوازن يُسهمان بشكل فعّال في رفع جودة الحياة للفرد. فالرفاهية العامة تتجلى في الشعور بالسعادة والرضا والاكتفاء في مختلف جوانب الحياة، كالصحة والعلاقات والعمل والإنجاز الشخصي. ومن هنا، تأتي أهمية الصحة النفسية الجيدة التي تُمكّن الشخص من مواجهة ضغوط الحياة وتحقيق إمكاناته،
علاوة على ذلك، تُساعد الصحة النفسية الجيدة في تحسين القدرة على التعامل مع التحديات اليومية وتعزيز العلاقات الاجتماعية، مما يُوفر الشعور بالإنجاز والمعنى في الحياة.
الصحة النفسية تُقلل من خطر الإصابة بالاضطرابات النفسية، مما يُسهم في الحفاظ على الرفاهية العامة. ولا يقتصر تأثير الصحة النفسية الجيدة على الفرد فحسب، بل يمتد ليُعزز الرفاهية العامة للمجتمع بأسره، حيث يُمكن للأشخاص الذين يتمتعون بصحة نفسية جيدة المساهمة بشكل أكثر فعالية في مجتمعاتهم.
❷الأداء الجيد في العمل والمدرسة
الصحة النفسية الجيدة تلعب دورًا حاسمًا في تحسين الأداء في العمل والمدرسة، وذلك لأسباب عدة منها :
- عندما يكون الفرد مستقراً نفسياً ، يتمكن من التركيز بشكل أفضل على المهام المطلوبة، سواء كانت مهام عملية أو دراسية..
- تمكن الصحة النفسية الجيدة الأفراد من التفكير بشكل أكثر إبداع وابتكار في إيجاد حلول جديدة للمشكلات التي قد تواجههم.
- الأفراد الذين يتمتعون بصحة نفسية جيدة يتفاعلون بشكل أكثر فعالية مع زملائهم ومعلميهم، مما يساهم في تطوير علاقات عمل ودراسية أفضل.
- تُساعد الصحة النفسية الجيدة في التعامل مع الضغوط والتحديات بطريقة صحية ، مما يقلل من تأثير الضغط السلبي على الأداء في العمل أو المدرسة
- الأشخاص الذين يتمتعون بصحة نفسية جيدة يقللون من التغيب عن العمل بسبب المشاكل الصحية ويساهمون في عمل مستقر ومنتج..
- الحالة النفسية المستقرة تُساهم في تقوية الحافز للإنجاز سواء في العمل أو الدراسة، وتدفع الشخص للمثابرة والاجتهاد من أجل بلوغ الأهداف المنشودة.
- الثبات النفسي يساهم في تقليص فرص الوقوع في الأخطاء خلال أداء المهام الوظيفية أو الأكاديمية، ما ينعكس إيجابًا على مستوى الأداء.
❸ تعزيز الصحة البدنية
هناك ارتباط قوي بين الصحة النفسية والصحة البدنية، حيث تؤثر الحالة النفسية الجيدة بشكل كبير على الصحة البدنية. يمكن تفسير ذلك بعدة أسباب :-
૦ تعزز الصحة النفسية الجهاز المناعي مما يساهم في زيادة قدرة الجسم على مقاومة العدوى والأمراض..
૦ يساعد الاستقرار النفسي في تنظيم وظائف الجسم الحيوية مثل ضغط الدم ومستويات السكر في الدم، مما يقلل من خطر الإصابة بأمراض مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري.
૦ تشجيع السلوكيات الصحية يؤدي إلى اتباع نمط حياة صحي من قبل الأشخاص الذين يتمتعون بصحة نفسية جيدة، ويشمل ذلك ممارسة الرياضة بانتظام، وتناول غذاء متوازن، والحصول على قسط كافٍ من النوم..
૦ تساهم الصحة النفسية في تقليل مستويات الإجهاد، مما يحد من تأثيره الضار على الجسم ويحافظ على صحة القلب والأوعية الدموية.
૦ يمكن للأفراد ذوي الصحة النفسية الجيدة أن يتعافوا بشكل أسرع من الجراحة أو الإصابات بفضل تأثيراتهم الإيجابية على الجسم.
❹ تعزيز العلاقات الاجتماعية والشخصية
الصحة النفسية الجيدة تُعدُّ حجر الزاوية في تعزيز العلاقات الاجتماعية والشخصية، لأنها تُمكّن الأفراد من فهم وإدارة مشاعرهم ومشاعر الآخرين بشكل أفضل، مما يُساعد في بناء اتصال عاطفي قوي. هذا الفهم يُعزز الثقة بالنفس ويُسهل التعبير عن الذات بصدق ووضوح، مما يُساهم في تعميق العلاقات الشخصية وتطوير مهارات التواصل الفعّالة.
الصحة النفسية الجيدة تُساعد في التعامل مع النزاعات بطريقة بنّاءة وتُشجع على تقديم الدعم العاطفي للآخرين، مما يُعزز الروابط الاجتماعية ويُشجع على بناء شبكة دعم قوية.
❺ المساهمة في الوقاية من الأمراض النفسية
الصحة النفسية الجيدة تلعب دورًا مهمًا في الوقاية من الأمراض النفسية، وذلك لأنها تُساهم في عدة جوانب تُعزز الاستقرار العاطفي والذهني للفرد:
❻ الصحة النفسية تعزز طول العمر
أولاً:- الأشخاص ذوي الصحة النفسية الجيدة يتعاملون مع الضغوط بشكل أكثر فعالية، مما يقلل من مستويات الإجهاد ويحمي الجسم من الآثار السلبية للتوتر المزمن.
ثانياً:- الحالة النفسية الإيجابية تساهم في تحسين الوظائف الجسدية مثل النوم والشهية، وهذا يعزز من الصحة الجسدية ويمكن أن يؤدي إلى حياة أطول.
بالإضافة إلى ذلك، الصحة النفسية الجيدة تقلل من خطر الإصابة بأمراض نفسية مثل ااضطراب القلق، والتي لها تأثير مباشر على العمر البيولوجي. ومن المعروف أن النشاط العصبي المفرط يمكن أن يقصر العمر، وأن الصحة النفسية الجيدة تساهم في تقليل هذا النشاط.
ثالثا:- النظرة الإيجابية والتفاؤل يساعدان في التغلب على الصعوبات وتقليل التوتر، مما يعزز الصحة العامة ويمكن أن يؤدي إلى حياة أطول.
❼ النظر للنفس بإيجابية وتقدير
الشخص الذي يتمتع بصحة نفسية جيدة يميل إلى النظر إلى نفسه بإيجابية ويقدر قيمته الشخصية. يثق بقدراته ويعترف بإنجازاته، ويتمتع بالثقة في النفس والاحترام الذاتي. يستطيع التعامل مع التحديات والضغوط بطريقة صحية، مما يساعده على الشعور بالرضا عن الحياة والسعادة، ويمكنه من العمل بجد لتحقيق أهدافه والنمو الشخصي.