مارس الناس طرق تعزيز الصحة النفسية منذ فجر التاريخ لأن الصحة النفسية ركنًا أساسيًا في حياة الإنسان، ولكن في عصرنا هذا، حيث تتسارع وتيرة الحياة وتزداد متطلباتها، تصبح الحاجة إلى الاهتمام بتعزيز الصحة النفسية أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.
إن الضغوطات المتزايدة والتغيرات المستمرة تفرض علينا تحديات جديدة، تجعل من الضروري البحث عن طرق صحيحة تعزز الصحة النفسية الفعّالة للمحافظة على توازننا النفسي والاستمتاع بحياة هانئة.
طرق تعزيز الصحة النفسية
من أجل العيش بحالة صحية جيدة والتمتع بالحياة، يجب علينا أن نعتني بصحتنا النفسية بقدر ما نعتني بصحتنا الجسدية. لهذا السبب، نقدم في هذا المقال مجموعة من طرق تعزيز الصحة النفسية المتكاملة التي تُسهم في الحفاظ على الصحة النفسية والتمتع بها، مما يُعزز من قدرة الفرد على مواجهة التحديات بإيجابية ومقدرة وتفاؤل.
① اختيار الصحبة الصالحة
إن الصحبة الصالحة تلعب دورًا كبيرًا في حماية الفرد من الانجراف نحو العادات السيئة مثل التدخين، وتعاطي الكحول، والإدمان، والسلوكيات الفاحشة . فالأصدقاء الصالحون يشجعون بعضهم البعض على السلوكيات الإيجابية ويحثون على تجنب الأفعال التي قد تؤثر سلبًا على الصحة الجسدية والنفسية.وهذا مايتفق مع قول الشاعر واختر قرينكَ واصطفيهِ تفاخُــراً * إنَّ القرينَ إلى المقارنِ يُنْـسـَـبُ وقول الرسول ﷺ ( المرء على دين خَليله، فلينظر أحدُكم مَن يُخالِل)![]() |
إحدى طرق تعزيز الصحة النفسية - الصحبة الصالحة. |
الصحبة الصالحة تُعتبر أحد العوامل الرئيسية في تعزيز الصحة النفسية، حيث يكون الأصدقاء الصالحون مثالًا يُحتذى به في السلوكيات الإيجابية والأخلاق الحميدة، و يكون لهم تأثير كبير على الأفراد المحيطين بهم منها ما يلي :
૦ الأصدقاء الصالحون يتصرفون بأخلاق ومبادئ عالية، مما يشجع الآخرين على الاقتداء بهم ويؤثر إيجابيًا على سلوكهم، بالإضافة إلى منع أصدقائهم من ارتكاب الذنوب والمعاصي، مما يُقلل من احتمالية الانجراف نحو العادات الضارة.
૦ الأصدقاء الصالحون يقدمون النصائح والإرشاد، ويساهمون في توجيه السلوك نحو الأفضل، كما يحثون على أداء العبادات ويدعمون الالتزام بالأوامر الدينية.
૦ الأصدقاء الصالحون يحفزون على تحصيل العلم النافع والأخلاق الحميدة. من خلالهم، يكتسب الفرد الخبرة ويتعلم الدروس والعبر القيمة، مما يعزز الصحة النفسية لديه بفعالية
② اتباع نظام غذائي صحي ومتوازن
يجب أن لا نستهين بتأثير الغذاء الصحي على تعزيز الصحة النفسية. فاختيار الأطعمة بعناية يؤثر بشكل كبير على وظائف الدماغ وبالتالي على مزاجنا وسلوكياتنا. حيث تلعب الأطعمة الغنية بالمغذيات دورًا هامًا في تحسين المزاج والشهية والنوم، وتزيد من إنتاج مواد كيميائية في الدماغ مثل الدوبامين والسيروتونين، والتي تلعب دورًا كبيرًا في تخفيف الاضطرابات النفسية.
بالإضافة إلى ذلك، يعزز النظام الغذائي الصحي الذاكرة ويحسن الوظائف المعرفية للدماغ، ويقلل من خطر الإصابة بالاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب والقلق. لذا، يجب أن نضمن مجموعة متنوعة من الأطعمة في النظام الغذائي ونتجنب الأطعمة المصنعة والمشروبات المحلاة للحفاظ على صحة نفسية ممتازة
③ ممارسة اللياقة البدنية بانتظام
◾ تساهم اللياقة البدنية وأهمها المشي في زيادة مستويات السيروتونين وهو هرمون مسكن للمزاج يلعب دوراً رئيسياً في تنظيم الحالة المزاجية والدوبامين وهو هرمون نقل عصبي مسؤول عن تحفيز المزاج والدافعية، اللذين يرتفعان بفعل ممارسة التمارين مما يساهم في تحسين الحالة المزاجية ودفعها نحو الايجابية.
◾ تعزز اللياقة البدنية من القدرة على إدارة الضغوط والتخفيف من آثارها السلبية على الصحة النفسية بمعنى آخر، عندما يكون الشخص لائقًا بدنيًا، يكون أقل عرضة للشعور بالإرهاق والتوتر، وبالتالي يحافظ على صحة نفسية أفضل.
◾ تساعد اللياقة البدنية على الحصول على نوم أعمق وأكثر استرخاء بفضل إفرازاتها الهرمونية .مما ينعكس أثره ايجابا على تعزيز الصحة النفسية
◾ تساهم في تحسين الحالة المزاجية بفضل تأثيرها على الدماغ، وهذا يعد من أفضل طرق تعزيز الصحة النفسية. فعندما ممارسة اللياقة، يفرز الدماغ مواد كيميائية تُعرف بالإندورفينات، والتي غالبًا ما تُسمى "هرمونات السعادة". هذه الإندورفينات تعمل كمسكنات طبيعية للألم وتحسن الشعور بالراحة والسعادة.
بالإضافة إلى ذلك ممارسة اللياقة البدنية تساعد على تقليل مستويات هرمون الكورتيزول، المعروف بهرمون التوتر. بتقليل التوتر، يمكن للأشخاص الشعور بالهدوء والاسترخاء بعد التمرين
④ النوم الكافي والجيد
يُعتبر النوم الكافي والجيد من الطرق الأساسية لتعزيز الصحة النفسية. فالإنسان الطبيعي يقضي حوالي ثلث حياته نائمًا، والنوم ضروري للحياة مثل الأكل والشرب والتنفس. كما أن النوم الكافي عامل حيوي للحفاظ على الصحة النفسية والجسدية.
النوم الجيد هو حجر الزاوية لتعزيز الصحة النفسية والجسدية، حيث يرتبط النوم السيئ، الذي يتسم بالسطحية والانقطاع، بتدهور الصحة. من جهة أخرى، تساهم الصحة النفسية والجسدية الهشة في تفاقم مشاكل النوم، وغالبًا ما تظهر مشاكل النوم كأعراض أولية للاضطرابات النفسية مثل القلق والاكتئاب.
يساهم النوم الكافي والمنتظم في تحسين الذاكرة، وتعزيز المزاج، والتخلص من التوتر والقلق، ويقلل من أعراض الاكتئاب. بالإضافة إلى ذلك، يساعد النوم في تحسين الحالة المزاجية وزيادة الإنتاجية خلال النهار.
⑤ تكوين علاقات اجتماعية حسنة مع الآخرين
تلعب الطبيعة الاجتماعية للإنسان دورًا كبيرًا في تنمية علاقات مُثمرة تُسهم في زيادة الشعور بالسعادة والإيجابية. فالعلاقات الاجتماعية، بدورها، لها تأثير بارز على تعزيز الصحة النفسية، حيث تُوفر الدعم العاطفي اللازم الذي يُمكّن الأفراد من التغلب على التحديات والضغوط الحياتية
العلاقات الاجتماعية تمنح الأفراد إحساسًا بالانتماء والقبول، مما يُعزز الثقة بالنفس ويُقلل من مشاعر الوحدة والعزلة. ومن المهم الإشارة إلى أن العلاقات الاجتماعية تُساعد أيضًا على تحسين المزاج، وتُقلل من مخاطر الإصابة بالاكتئاب والقلق.
طرق تكوين علاقات اجتماعية
૦ الانفتاح مع الآخرين والتحدث معهم في مختلف المناسبات.૦ الاهتمام لما يقوله الآخرون، واشعارهم بالاهتمام بمشاعرهم.
૦ تقديم المساعدة للآخرين، والتعاون في الأنشطة الجماعية.
૦ الإيجابية في التعامل مع الآخرين، وتجنب الشكوى والانتقاد.
૦ المحافظة على التواصل مع الأصدقاء والعائلة والأقرباء والمشاركة في أخبارهم وأنشطتهم
૦ تناول الطعام مع الأسرة والأقرباء والأصدقاء
⑥ الاعتزاز بالذات وبما تملك من قدرات
الاعتزاز بالذات وتقدير الذات هما من أهم طرق تعزيز الصحة النفسية. ويعني ذلك أن يقدر الفرد قدراته ومهاراته العقلية والبدنية، مما يعزز ثقته بنفسه ويشعره بالقيمة الشخصية. وبذلك، يسهم الاعتزاز والتقدير في تحقيق توازن نفسي صحي
الأبعاد الرئيسية للاعتزاز بالذات
- الوعي الذاتي : القدرة على التعرف على نقاط القوة والضعف لديك.
- القبول الذاتي : الإقرار بالقيمة الشخصية بغض النظر عن الإنجازات أو الإخفاقات.
- النمو الذاتي : الناتج عن السعي المستمر لتحسين الذات وتطوير القدرات.
تعزيز الاعتزاز بالنفس
⑦ الابتعاد عن العادات السيئة
تلعب العادات السيئة مثل التدخين والكحول والإدمان دورًا كبيرًا في التأثير على الصحة النفسية، حيث تزيد من التوتر والقلق، مما يُفاقم المزاج السلبي ويُعرض الفرد لخطر الإصابة بالاكتئاب. كما أن هذه العادات تُضعف التركيز والذاكرة، الأمر الذي يؤثر على الأداء اليومي سواء في العمل أو الدراسة.
بالإضافة إلى ذلك، تُسهم العادات السيئة في زيادة خطر الإصابة بأمراض عقلية مثل الاكتئاب والقلق والفصام، ولا تقتصر آثارها على تعزيز الصحة النفسية فحسب، بل تمتد لتشمل الصحة الجسدية أيضًا
وللتخلّص من العادات غير السوية التي تؤثر على تعزيز الصحة النفسية ، ينبغي اتّباع استراتيجية علاجية واضحة المعالم تقوم على الآتي :-
⑧ حل المشكلات بطرق صحيحة فور ظهورها
حل المشاكل بطرق صحيحة وبشكل فوري له أهمية كبيرة في تعزيز الصحة النفسية، وذلك لأن تراكم المشاكل وتأجيل حلها يمكن أن يؤدي إلى زيادة الضغط النفسي والتوتر، مما يؤثر سلبًا على الحالة العقلية والعاطفية للفرد، من خلال النقاط التالية تتضح أهمية حل المشاكل بشكل صحيح وفوري:
- حل المشاكل بشكل فوري وصحيح يقلل الضغوطات النفسية ، وينتج عن ذلك التقليل من خطر الإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية.
- حل المشاكل بطريقة صحيحة يساعد الفرد على التعامل مع التوتر وتعزيز القدرة على التعامل مع ضغوط الحياة.
- يعزز حل المشاكل بشكل فعّال الثقة بالنفس ويساهم في تحسين نظرة الفرد لذاته.
- القدرة على حل المشاكل بسرعة وبطريقة صحيحة تساهم في تحسين الأداء في العمل والحياة اليومية بشكل عام .
- حل المشاكل بشكل فوري يقلل من القلق ويساهم في تحقيق حياة أكثر استقرارًا وسعادة.
من طرق تعزيز الصحة النفسية الاعتراف بالمشاكل وعدم تجاهلها ، والبحث عن حلول لها بطريقة منهجية وعقلانية، واستشارة المختصين عند الحاجة للحصول على الدعم والمساعدة لحل أي مشكلة وفقا لطرق علمية كما يلي : -
طرق حل المشكلة
◾ العمل على تنفيذ الحل بشكل عملي.
⑨ العمل بإتقان لضمان تلبية احتياجات الحياة
يعد العمل وسيلة أساسية لتوفير متطلبات المعيشة ، مثل الغذاء والمأوى والملبس والدواء والتعليم ووسائل الترفيه. فالعمل يمكّن الأفراد من كسب المال، الذي يمكنهم استخدامه لشراء هذه الاحتياجات الأساسية. حيث ينعكس توفير متطلبات المعيشة إيجابًا على تعزيز الصحة النفسية بطرق عديدة، منها:
- توفير متطلبات المعيشة الأساسية يقلل من التوتر والقلق، حيث يقلل من الخوف من عدم القدرة على تلبية الاحتياجات الأساسية.
- يزيد من الشعور بالأمان، حيث يوفر للأفراد مكانًا آمنًا للعيش فيه وطعامًا كافيًا لتناول الطعام.
- يحسن المزاج، حيث يقلل من الشعور بالإحباط واليأس.
- توفير متطلبات المعيشة الأساسية يعزز الثقة بالنفس ، حيث يجعل الأفراد يشعرون بأنهم قادرون على توفير متطلباتهم ومتطلبات أسرهم بالاعتماد على أنفسهم . .
⑩ التنسيق الفعّال للوقت مفتاح الصحة النفسية
يعد التنسيق الفعّال للوقت بين أوقات العبادة والعمل والراحة أمرًا بالغ الأهمية للحفاظ على الصحة النفسية الجيدة. فالعمل والعبادة والراحة هي جوانب أساسية من حياة الفرد، ويجب أن يتم تخصيص وقت كافٍ لكل منها للحفاظ على التوازن والرفاهية.
أهمية التنسيق الفعّال للوقت
- يضمن تلبية واجبات العبادة، مثل الصلوات، دون إهمال العمل أو الراحة.
- يساعد على تحقيق التوازن في الحياة مما يقلل من التوتر والقلق.
- يزيد من الإنتاجية في العمل، حيث يسمح للفرد بالتركيز على مهامه دون تشتيت.
- يسمح للفرد بتخصيص وقت كافٍ للراحة والاسترخاء، مما يعزز الصحة النفسية والجسدية.
- يقلل من الضغط النفسي، حيث يسمح للفرد بتجنب الشعور بالإرهاق أو الإحباط.
⑪ تخصيص وقت للتمتع بجمال الطبيعة
◾ تساهم البيئات الطبيعية مثل الغابات والمحميات والمزارع والجبال والأنهار والبحار في تقليل مستويات الإجهاد والقلق. فالهواء النقي والمناظر الخلابة والهدوء النسبي يمكن أن يساعدوا في تهدئة العقل والجسم. و تحسين النوم والراحة الليلية.
◾ الإقامة في أحضان الطبيعة تُسهم في تنمية الشعور بالسعادة والرضا، فالأنشطة كالمشي بين أحضانها أو التنزه على شواطئها تُعدّ مصدرًا لتحسين المزاج وتوفير الراحة للنفس. بالإضافة إلى ذلك يُساعد البقاء في الطبيعة على تعزيز الصحة النفسية بوجه عام، حيث يُساهم في خفض مستويات القلق والاكتئاب
⑫ البقاء نشيطًا ذهنيًا
البقاء نشيطًا ذهنيًا يُعد من الأمور الأساسية لتعزيز الصحة النفسية والذهنية، ويمكن تحقيقه بعدة طرق مثل حل الألغاز، وقراءة الكتب، أو تعلم أشياء جديدة، ويعتبر النشاط الذهني مهم للأسباب التالية:-
- الأنشطة التي تحفز العقل تساعد في الوقاية من التدهور العقلي المرتبط بالتقدم في العمر.
- الانخراط في أنشطة تحفز العقل يساعد في تحسين الحالة المزاجية ويقلل من الشعور بالقلق والاكتئاب.
- تحقيق الشعور بالإنجاز من خلال حل الألغاز، والقراءة، أو تعلم شيء جديد يمنح شعورًا بالرضا.